الجمعة، يونيو 28، 2013

قهوة ساخنة على مهل.......



كانت تريد أن تشعر ببساطة ، وأن تفكر ببساطة ، وأن تحلم ببساطة ، وأن تجلس تحت نافذة القمر ليلها كله ، مرتاحة وكسولة ، لا تفعل شيئا ، لا تحرك شيئا ، ذائبة في المطلق ومتلاشية.
الأمر لم يكن بيدها ، اعادة الخلق أيضا لم تكن خيارا لها ، محكومة سلفا بالإنسانية ، مقبوضة الشعر بربطة الأنوثة ، مدفوعة قهرا بالنار الداخلية العميقة ، كان خيارها الوحيد أن تنسى أمر البساطة.
-          " كل شئ في حياتي مشدود بين وترين " تفكر ، كم تود أن تترك أصابعها لتنثر شعرها سخطا ،

 تفرقع أصابعها تاليا و تهمس لنفسها في قهر :
-          " تبا ، لو أستطيع الخلاص "!!!

ينظر اليها بعمق ، يبعثر شعرها معها بعينيه كما لو أنه قليلا ويفك الحجاب  ، يحملق في وجهها ،

 باحثا عن ذاكرتها وعقلها وتعرجات كينونتها المثيرة للاهتمام ، يكاد أن يتدخل في وجودها.

يفكر هو ، تفكر هي ، ترفع رأسها اليه ، تجد وجهه أمامها تفصلها عنه  طاولات وكراسي وأشخاص كثر من عائلاتهما معا ، تعض على شفتيها مكررة لنفسها ذات أغنية الغضب : " تبا له ".

يتفاجئ بعينيها الحلوتين الغاضبتين المسددتين نحوه ، يظل متجمدا في مكانه ، لا يفهم الأمر ، يتحرك بهدوء في نية نحوها ، أما هي فقد استأذنت الجميع سلفا  ولهذا وجب أن تقوم ، تتململ في كرسيها قليلا وهو يتجه نحوها  ، يتحرك خطوة أخرى نحوها وهو يسألها ان كان بحاجة الى أن يوصلها ، تنظر اليه ، تزيد حركتها  على كرسيها قلقا ، تفز واقفة و تترك الغرفة كمن لدغته عقرب....تهمس بسرعة : - " لا.....شكرا "

يقف مكانه مترددا ، يسحب كرسيه ليجلس على مهل متسمرا مكانه.

محتارا ، محتارة ،  صوت عاملة النظافة في البيت تصدح مدندنة أغنيتها الهندية المرحة ،

/

مفتاحها يسقط في الممر.

/

-          " قلت لك مرارا وتكرارا أني لا أود الذهاب معكم الى بيت عمي "....
-          " أنت غير منطقية....تعقلي قليلا ".
تفكر هي ما المنطقي !! كيف يمكن أن تمشي أربع خطوات باسم المنطق حين تجد أغنية في قلبك تخلط الأمر لك كخلاط العصائر !!
هي لا تستطيع أن تقول لأمها أنها لا تود الذهاب الى هناك لأن قلبها يسقط في خمسة أمتار تفصل بينها وبينه ، وأن قلبها يطيب له الاقامة هناك في تلك المساحة من اليتم والعزلة والجنون واللذة  ، هي لا يمكنها أن تقول أنها  تتعلق بصوته المفتوح على المعنى ، في كل نبرة من صوته خدر يهاجمها ، وحين تفكر هي  بالأمر جيدا ككائن لغوي متعقل  تجد أن صوته أشبه شئ بقطعة كعك مغمسة بالحلوى و مشربة بالعسل في كل نسيج فيها ، هو يثير قلقها ، يثير مغصا في بطنها ، يثير غضبها و شوقها ، تقوم غاضبة لأنها لا تود أن تسير نحوه ، وهي أيضا لا تود أن تسير بعيدا عنه......

صداااااااااااااع
-          " قلت لك أني مرهقة جدا يا أمي " ....

تمسك مبررا تلو مبرر ، تفتت كل المبررات ثم تخلق أخرى ، تبحث عن مقاعد للكذب لتحجزها واحدا تلو الآخر ، تفكر كثيرا ، ثم تفكر مرة أخرى....

وحين تنتهي من رحلتها العقلية في دهاليز التغطي ، تصل الى قناعاتها الحاسمة التي لا تتغير ، و في كل مرة تؤكد على أمها بحسم تاجر ينوي شراء بيت في شاطئ القرم  : - " أنا لن آت معكم ، لا مصلحة لي هناك ، كلاااا لن أفعل ...خلاااااص ".

وفي كل مرة يذهبون فيها الى بيت عمها الصغير الذي يعترش مكانا بسيطا وطبيعيا في مدينة بسيطة وطبيعية ، تجد نفسها مستنفرة تماما ، هي تتسائل ان كان يفكر في غيابها  و تتسائل ان كان يعض على أصابعه مثلها ويطوي الغرفة مثلها ، ويحملق في الشجر مثلها ويجد مثلها في ضوء الشارع ونسا في أوقات باردة ، تدحرج كرسيها أمام طاولتها الغالية المصنوعة يدويا والتي ابتاعها لها والدها كهدية ، ثم تفكر ، وتفكر طويلا ، ماذا ستفيدها زيارة رجل بسيط  ، هي فقط تحب الشعر وتشربه كقهوة ساخنة على مهل ، لكنها لم تعش الشعر مطلقا ، فهي فرس قوية تجيد حساب الخطوات والفوائد قبل القفز فوق حواجز الخسارات ، وهي طفلة والدها العاقل جدا والمنطقي جدا ، هي تعرف ماذا يعني أن تفتح بابا للحرارة في ليلة قيظ حارقة ، هي فقط  لا تحب شرب القهوة الا على عجل ودون تفكير طويل ، مرة واحدة .....سريعة ...وحاسمة...........

لكنها تقف أمام مرآتها الآن لا تدري ان كان للأوراق النائمة على طاولتها روح لتتكلم ، فماذا عساها تقول !! هل الأوراق قد تعبت من كل شئ قد احتوته كعقلها الذي بات يئن ، وهي لم تعد تعرف ان كان وقت الياسمين النائمة على راحة كفها قد انتهى ، هي فقط تريد أن تحلم وأن تحلم بالكثير، الكثير الذي تريد أن تفكر فيه وأن تفعله دون أن تباغتها لحظات لا معنى محدد فيها ،

تتنهد .....آه

تقرر أن تلملم أوراقها وتذهب الى عملها ثم الى مقابلة مديرها قبل أن يفتك بها جنون القهوة والأفكار.

 تسوق سيارتها نحو مكتبها ، تركز كثيرا في الشارع ، تفكر كثيرا ، تفكر كثيرا ، لكن أشجار الشارع تسرقها  ، تحلم بالمطر وبالرقص تحت وقع احتدام المطر بعطر الأشجار و ذرات الأرض....وتفكر في بيت عمها.

تهز رأسها ، تفكر ربما هي الحرارة ، ربما هي تهلوس ، تضع أصابعها على جبينها ، ودون أن تنتبه للفاصل بين الشارع والحلم ، تجد نفسها في الحلم ، هناك في بيت عمها ، قريبا من  أشجار حديقة بيت عمها البسيطة ، ، تعود للشارع مجددا ، منتبهة ، تفكر ، تشبه هذه الأشجار التي في الشارع اشجار حديقة عمها ، غير مقلمة كثيرا وغير منظمة كثيرا ، عشوائية وطبيعية .

تصل الى مكتبها ، تفتح باب سيارتها بتثاقل ، تقفز الى حيث يقع مكتبها ، ها هي قفزة الفرس التي تود أن تصل الى خط النهاية قوية و منطلقة وفائزة.

تدخل الى مكتبها ، تضع أوراقها الثقيلة وحقيبتها الرمادية ، و ترتاح في كرسيها الذي تعبت من أجله .

يرن هاتفها على مهل ، رنة خفيفة وبسيطة ، تنظر اليه كصقر سيهوي على ضحيته بعد ثوان ، ثم يباغتها اسم ابن عمها في هاتفها يومض كنجمة سقطت من السماء نحو صدر هاتفها ، تتلعثم ، تتحرك في كرسيها محتارة ، تمد يدها ثم تطويها ، تترك الهاتف مرتعشا برنينه الخفيف على طاولتها وتحملق فيه كمن يخشى الطاعون ، تردد :

-          "لا "

يرن الهاتف مرة أخرى ، تنظر اليه ، لا تستطيع احتمال خفته أكثر فتمسك بالهاتف بين يديها ريحانة تعبق في المكان ، فرحا يأتي على شرف مفاجأة تسعدها وتخافها ، تهمس في هدوء : " – آلوووو"

يأتيها صوته الباذخ بالمعنى ، يلهب أفكارها بمواليد جديدة ، أشجار جديدة ، أحلام جديدة ، أوقات جديدة ، يضئ المكتب بأريج خفي خفيف ، يصير المكان بسيطا ، كل شئ يترتب في مكانه ويصطف ، كل شئ الآن يبدو غير عبثي ، الله الآن موجود ومتجلي ، والرحلات الجميلة تصير موجودة ، كل شئ يتسق وينسجم ، حتى الشجر المرفرف من خلف نافذة مكتبها يصير ذاكرة.....

-          " آلو ، أحلام ، أنا سالم "

يصمت صمته الموارب الخفيف الخفي المشتبك بالطبيعة وبالكون، الملتحم.....

مشغوفة ترد : - " آهاه ...نعم ..."

-          " أحلام ، وددت أن أطلعك على أمر مهم ...هل أنت في مكتبك ؟"

تتفاجئ أحلام ، تتبعثر ، تنظر الى مكتبها ، يرتج في داخلها ألف سؤال دفعة واحدة ،

الا أنه لا يسمح لها بالتفكير كثيرا اذ يفاجئها أسدا قويا : - " لقد نسيت مفتاحك في بيتنا ، أظن أنه مفتاح درج مكتبك ، لا بد وأنه مهم لك "!!

تفتح عينيها العسل على اتساعهما ، تمسك درج مكتبها بقبضة يدها الا أنها تتفاجئ بأن الدرج لا يفتح .

ترد مختنقة : - " نعم صحيح ، يبدو أنه مفتاح درج مكتبي اذا....هل تحضره لي "؟!!

تسمع قهقته على الهاتف ، تتردد قهقهته  في أرجاء مكتبها ، فتفزع ،

يأتيها صوته من الهاتف وفي أرجاء المكتب قائلا لها : - " تريديه ....تعالي وخذيه ، أحضرت لك معي أيضا قهوة ساخنة سنشربها على مهل  ".

تلتفت يسارا تجاه الباب مدركة عمق الورطة التي هي فيها ، تنظر نحو الباب فتراه واقفا هناك .

ترفع رأسها اليه ، تجد وجهه أمامها مباشرة ، لا  تفصلها عنه  لا طاولات ولا كراسي ولا أحد ، تعض على شفتيها مكررة لنفسها ذات أغنية الغضب :

-          " تبا له "............






















السبت، يونيو 15، 2013

الصراع الطائفي في الشرق الأوسط : النار التي تخمد


لعل في أحداث الشرق الأوسط الحالية ، صفعة كبيرة لكل مسلم ينام ويأكل ويحمد الله على هذه الأرض...التي لطالما قيل عنها أنها أرض طيبة .


* الأرض الطيبة :

الأرض الطيبة الممتلئة بالكنوز ، بدءا من الشمس وانتهاءا بالجنون ، هي أرض طيبة لجميع من ينوي الثراء ...على حساب غيره .

وهي كذلك أرض ممتلئة بالطوائف والفكر المتعارض الذي ينوي قهر بعضه.


فلو أن المتابع لتاريخ الشرق الأوسط يتعرض لنكسة نفسية  جراء أزمة عاطفية ، فأن نكسته النفسية لن تكون أكبر من فجائع الأرض التي تتفجر في كل مكان في أرض ترقد على النفط والغاز واللامنطق.

ما الرابط بين كوننا شعوبا عاطفية تصاب بأزمات وهيام وتيه ، وبين أرضنا التي ترتج نفطا وذهبا وأشياء أخرى.

أنه الرابط العجيب : النار.


فالنفط ينتج نارا ....العاطفة تنتج نيرانا....الطيبة تنتج نيرانا ..الطائفية تنتج نيرانا ..والأهم أن لكل شئ نهاية.


* نهاية النفط أم نهاية العرب أم نهاية الأرض أم نهاية الطائفية  :

هل سينتهي النفط ، أم سينتهي العرب في صالح عرق آخر ، أم ستنتهي النار الطائفية؟


ان قراءة واقعية لكيفية تقدم العالم ، لربما تجعلني أضرب بنرد في الفراغ كعرافة دلفي متنبئة بنهايات لأشياء كثيرة ليس من بينها العرب الذين يبلغ تعدادهم 348,755,830 ، ان هذا بعد رقم كبير لا يمكن اقناعه بأنه العرق الأدنى ، أو بأنه عرق لا يتمتع بالذكاء ، أو بأن العرب لهم مصير مشؤوم ، 

فان افترضنا جدلا أن الحرب الاعلامية والآلة الحبوبة التي تسعى ليلا نهارا لاقناع العرب بأنهم كذلك قد تكون ناجحة مع بعض الأشخاص ذوي الذكاء المنخفض ، الا أنها حتما لن تنجح مع بقية العرب....فكم شخص أهبل يوجد وسط هذا التعداد ...لعلهم لا يتعدون 10 ملايين على أحسن تقديرات المتفائلين الحالمين بالثروة العربية في أيديهم.....أوبس...

ثم أن هناك عامل مهم لن يكون الا عاملا يضرب غم بغم لمن يحلم بأن يتهنى بما ليس له في أرض ليست له من ثروات ليست له ، متحكما بمصير بشر لا يملك صك ملكيتهم.

ان ما يضرب البعض غما بغم ...ان العالم فعلا يتغير بسبب التكنلوجيا .


* لعنة التكنلوجيا المباركة.

التكلنوجيا الجميلة التي لخبطت حياتنا ، هي ذاتها التكنلوجيا المباركة التي ستدفع بالعربي المسلم في الشرق الأوسط الى أجمل مراحل حياته.

ان هذه التكنلوجيا بوسائل اتصالاتها خلقت " الربيع / الجنون العربي " ....

وهي بالذات ما ستساعد العربي لتخطي مرحلة "الخرف "العربي ، لمرحلة " الاستقرار " العربي...فلا شئ يبقى على حاله ، ان هذا درس التاريخ ودرس الحياة ودرس يدركه كل عاقل ...لا شئ يبقى على حاله.

اليوم يبصر كل عربي بأعين تستخدم التكنلوجيا و " تحلل " بأن الاسلام يتم استغلاله ، وبأن مشاعرهم الدينية النارية قد تورطهم ، وبأن تاريخ العربي الماضي لم يعد مجيدا جدا كي يعاد ، فقد قتل أخ هذا وأب ذاك...وأن هذا الرؤية الطائفية تجعلهم في عداء مع أقوى وأكبر جيرانهم ....

ومن بعد يريد أن يموت !! 


ان رغبة الانسان في الحياة أعمق أثرا من أي رغبة أخرى.

وان من يراهن على انتصار " الفكر " الديني أو أي فكر كان ، على غريزة البقاء ، لهو مراهن على خسارة.


ان غريزة البقاء ستؤدي حتما بالعربي الى تطوير آلية دفاع جميلة ، وأني أرى هذه الآلية تنبثق في المكان من كل أرجاء هذه الأرض الطيبة.

وأني ألمح ذلك وأبتسم .

حسنا هي هي عرافة دلفي ترمي بقطع اللبان في النار....


افعلوا هذا ..استغلوهم......وسيتحررون....
فالفكر الذي يؤدي الى موت أحدهم ، سيغيره الآخر كي يبقى......

شكرا لكم.

بحث هذه المدونة الإلكترونية