الأربعاء، فبراير 06، 2013

السيد الذي عاد الى بيته ....


الليل والقمر و السماء ومعاطف الفرح تأخذ وقتها كاملة كي تشع في المكان.
الأزمنة تتدثر بالحب والسكر والألق ، الحديقة تضئ وردا..........
لا يأتي الحب متأخرا أبدا ، ولا يتقدم عن زمنه مطلقا ، في اللحظة التي تبلغ فيها القاع يمد يده لك ، تراه ، تحسه ، يحملك وتحمله ...........الى جنة ما.

/
في عمره هو الأربعيني تشع عيناه ، وقارا وحنين ، في ليله اليتيم تنير افلاك من وهج ، ها هو يتجدد ، كما يتجدد الكون لحظة خلق ، لا شئ يعيقه اليوم ، لا الحزن ولا البكاء ، خارقا للعادة ، عظيما ، يكاد يصير خالق.

يعود الى بيته .......

قال لحارسه أنه لم يعد يحتاج حماية ، قال للخادمة الصفراء أن عليها أن ترتاح ، ابتسم للجميع ، حمل شاله الشتوي ، لفه حول رقبته ، ومضى في ليل البرد مدججا بالوهج والاستعداد.

-         أخاف عليك يا بني من الزمن "........

صوت أمه يتسلل من بين أروقة الجدران والنخيل ، يمر في المكان حيثما كان ، حيثما كان يتكون ليصير رجل أعمال ، حيثما لاحقه الأسى والأمل والكثير من الأحمال....هنا كان طفلا...وهنا حيث لم يعد منذ آخر عشر سنين.

لم يعد يتذكر ...لم يعد يتذكر الكثير غير أنه لا زال لا يفهم كيف سار الزمن كيفما سار.

المدينة الصغيرة ، والده القوي ، رحلة اعداد رجل ليصير مفترسا ، كل شئ كان يجري هنا ، ها هو ظل والده يخرج من الزمن اليه : - " اياك أن تبكي الرجال لا يبكون ولا يتألمون " ، يد والده ، البطش ، الجروح ، والدمع الحبيس.

-         سأصير رجلا يا أبي ".....
-         أنت الآن رجل يا بني ".........

ها هو ظل الطفل ذو العينين البنيتين يحدق في الفراغ و الى والده ، عيناه كبيرتان و حائرتان ، يردد دون هدف :
- " أنا رجل يا أبي"...." أنا رجل يا أبي "

كان يتقدم في الممر المحاط بالزرع الكثير والنخيل الصامت والليل البسيط.

كان يسير في الممر بداية الليل ، و عند تقاطع الذكرى والأمل والصدف.

ظل أخته يخرج اليه من بين النخيل       ضاحكة و صامتة ، لم تكن تتكلم ، وجهها يعبر عن كل شئ ، في الفرح تضحك ، في الجرح تضحك ، في آخر الربيع وأول الشتاء تضحك ،  ما لبث أن غاب صوتها وجهها روحها في الزمن ، هز رأسه " يرحمها الله "....نكس وجهه ، سالت دمعتان على خده ، هتف في أعماقه " لم يا أبي .....لماذا.....لأي شئ يا أبي  ".

وجه خاله يقفز اليه من بين الجدران والممرات والنخيل...بصوته المشبوب بالشبق والخوف:
-         يجب أن تتزوج يا أحمد ، لا يجوز أن تبقى عازبا ، فالرجال ينجبون أطفالا كثر ..هكذا يخلد ذكرك ".

صور أبنائه الثلاثة تضئ أمامه ، يقف ، يتجمد مكانه ، يترنح خطوات للخلف ، معلقا بين الجرح وبين الممر ومشهد النخيل الكثيف ، يغرق في لجة ضباب و ظلام ، يبحث عن نور الشارع ، يرفع رأسه ، لا مصابيح ولا ضوء قمر ، تزداد عتمة المكان ، يحاول أن يجد جذع شجرة كي يتكأ عليه ، وهن يقتحم جسده ، رائحة الهزيمة تتفجر في كل خلاياه دفعة واحدة .....

/

الليل والقمر و السماء ومعاطف الفرح تأخذ وقتها كاملة كي تشع في المكان.
الأزمنة تتدثر بالحب والسكر والألق ، الحديقة تضئ وردا..........

لا يأتي الحب متأخرا أبدا ، ولا يتقدم عن زمنه مطلقا ، في اللحظة التي تبلغ فيها القاع يمد يده لك ، تراه ، تحسه ، يحملك وتحمله ...........الى جنة ما.

/

رائحة الهزيمة تتفجر في كل خلاياه دفعة واحدة ، زمن الأحلام الذي كان ، الشاطئ والقصر المعمور بالهدوء والتعود والسعادة المتمهلة ، كل شئ كان جيدا وصامتا في ذات الآن ، لا حزن ولا توهج ، يعود الى قصره مساءا ، يفتش في أوراقه ولا يعيش كثيرا ،  ساعات هي يعيشها ، موجودا قليلا ، غائبا قليلا ، ساعات هي ينظر فيها الى وجوه أطفاله ، ينسى أوراقه و صفقاته وأحلامه الكبيرة قليلا ، ثم سرعان ما يعيشها حنينا ما أن يهرع دون تردد الى أوراقه وأمواله مجددا ، كان سيدا ، سيدا قويا بعائلة وثلاثة أطفال ، قصر كبير وخدم كثر ، زوجة لم يفكر فيها كثيرا ، وأحلام عظيمة.

لم يعد هناك ما يمكن فعله الآن ، النخيل والممر المظلم يزداد عتمة ،قصره يتفتت أشلاء ، أبنائه ، تعوده ، سعادته المتمهلة ، كل شئ يتفتت في الظلام ، يذوي في عدم ، لم يعد هناك شئ ، لم يعد هناك شئ مطلقا ....

لم يعد يتحرك ، لا يسير للأمام ولا ينوي العودة الى الوراء ، لا ضوء يشع في عينيه ، لا وهج ، أصوات أمه والده خاله أخته أبنائه زوجته ، صوته ، كل شئ يتماهي في الظلام ، لا يرى شيئا ، لا يدرك شيئا ، يغووووووص نحو لا شئ.

/
الليل والقمر و السماء ومعاطف الفرح تأخذ وقتها كاملة كي تشع في المكان.
الأزمنة تتدثر بالحب والسكر والألق ، الحديقة تضئ وردا..........
لا يأتي الحب متأخرا أبدا ، ولا يتقدم عن زمنه مطلقا ، في اللحظة التي تبلغ فيها القاع يمد يده لك ، تراه ، تحسه ، يحملك وتحمله ...........الى جنة ما.

في العتمة الكبيرة يقف مشتتا ، في العتمة الكبيرة يلوح له شالها المنير ، تلبس شالا يتلألأ رغم العتمة الشديدة ، يرفع رأسه ، تسقط دمعتان حارتان على خده...

يتسلل صوت هامس اليه :

-         هل وصلت أخيرا "؟

صورة أبنائه يذوون في الحادث ، صراخهم ، رحيلهم ، صورة زوجته وهي تغيب في العدم معهم ، صور كل شئ وهو يتكسر ، يتبعثر ، صورة  أباه صورة أخته صورة أمه صورة خاله ، صور بيتهم ، ضحكاتهم ليلهم ، نهارهم القائض....كل شئ يمر أمامه.....

صور وحدته ، دموعه الصامتة ، غرقه نحو لا شئ.....

كل شئ يعبر أمامه ، كما ضوء يتكسر على سطح بحيرة...


كل شئ يرحل.....

يتقدم خطوة للأمام ، ترجع ذكراه للخلف سنتان بعد رحيل كل شئ وقبل تفتح شوقه اليها ، صورتها وهي تقف قرب سيارتها قائلة له : " من أنت".


ذكرى صوته وهو يرد عليها : "رجل يعود الى بيته ".....ثم يردف بعينين فاحصتين : " هل أنت من هنا " !!

.

.

.

يرفع رأسه ..يتقدم خطوة أخرى ، نور خفيف يضئ وجهه ، يتساقط على أطراف ثوبه شلال ضوئي ، يرفع رأسه أكثر ، يتقدم ، تطل عليه من باب ذاكرته ، تتسلل اليه ، تدق عليه جنونه ، يذكرها ، ها هي قبل سنتين تدق باب مكتبه ، مصدوما بالصدفة المباغته لا يزال يذكر حيرتها هي أيضا ....

.
.

يسير رويدا نحوها ، ضوء الشارع يخرج من بين أوراق النخيل ، شجر الغاف الملتف ينفلت ، هبات نسيم تطير خصلات شعره الرمادية الوقورة.

تلتمع عيناه ،


تنظر اليه ، تهمس له : " هل ضعت بالطريق "!!

يجيبها بحنين بالغ : " – كدت أفعل "..........

يمسك راحة يدها ، ترتاح راحة يده .

تسأله – " لا تغضب مني ..... حسنا "

تنظر اليه من بين أطراف أهدابها ، يبتسم ، متوقعا هجمتها التالية ، يردد :
 آهاه "....

تضم شفتيها ، تتنحنح : " هل أنا أجمل ...زوجتك الحلوة هذه أم زوجتك السابقة يرحمها الله "؟

يراها وهي تلتف كاملا نحوه كم يترقب حكما في محكمة ....

ينظر اليها ، يبتسم ........

يلتمع في السماء قمر مكتمل ، يتلألأ ضوء في المكان ، مصابيح الشارع ترسل تحياتها للمارة حوله....يلتمع خاتمان .......يتقدمها خطوة ثم يعيد النظر اليها ......

يبتسم ، في عمره هو الأربعيني تشع عيناه ، وقارا وحنين ، في ليله اليتيم تنير افلاك من وهج ، ها هو يتجدد ، كما يتجدد الكون لحظة خلق ، لا شئ يعيقه اليوم ، لا الحزن ولا البكاء ، خارقا للعادة ، عظيما ، يكاد يصير خالق.

ليست هناك تعليقات:

بحث هذه المدونة الإلكترونية